الأقليات في الوطن العربي
كان هذا الموضوع ولا يزال من المواضيع
التي يتجنب الكثير الحديث فيه، لحساسيته من ناحية ومن عدم رغبة الدول القائمة في الوطن العربي من السماح في الحديث فيه.
فغدا من المواضيع المسكوت عنها، حتى عندما يٌراد الحديث فيه تخرج الكلمات متشنجة محتقنة تتصف إما بالتظلم والتشكي وعدم الرضا من طرف من يكتب من تلك الأقليات
أو الاستخفاف وروح العنجهية من كتاب ينافقون السلطات التي تحكمهم ..
وانتبهت الدوائر الإمبريالية الى تلك الحالة، فاعتبرتها من أهم النقاط التي تفتت بها جسم الأمة وتصنع من تلك الأقليات مشاكل أزلية لم تتناولها كثير من إدارات الدول العربية بروح عصرية مستفيدة من حالة التآخي القديمة التي استمرت عشرات القرون أو آلاف السنين ..
ورغم أنه لا يوجد دولة في العالم لا تخلو من نسيج مختلط من أقليات مختلفة، بما فيها الدول التي تلعب على وتر الأقليات من الدول الإمبريالية فالعروق والطوائف موجودة في أمريكا وأوروبا وآسيا وإفريقيا، إلا أن الأقليات في منطقتنا العربية والتي ترافقت مع ترهل وسوء إدارة في كل المجالات، إلا أن الدوائر الإمبريالية تسكت على مظاهر الفساد والترهل طالما أنها تخدم مصالحها، وتثير موضوع الأقليات بالتحديد.
وقد سببت ظاهرة الأقليات التي تم استغلالها خلال القرون السابقة، تشتيتا في جهود التقدم التقني والإداري والسياسي في منطقتنا العربية، كما تسببت في زهق الكثير من الأرواح ولا زالت وهي مرشحة للتزايد في أكثر من بقعة.
وبالرغم من ندرة المراجع واتسام المواضيع المكتوبة بالروح العنجهية فيما لو أخذت عن كتَاب عرب، والروح المتظلمة المتشككة في إمكانية التعايش مع العرب، فإننا سنحاول تسليط الضوء على تلك الظاهرة، بقدر الإمكان بما يتوفر من إمكانيات مرجعية نزيهة، ونمر عليها منذ دولة النبي صلوات الله عليه الى عصرنا الراهن، بشيء من التبسيط والإيجاز المدعوم بوقائع تاريخية..
في سبيل تعريف الأقلية :
تعددت التعريفات الاجتماعية والسياسية للأقلية، معتمدة المدخل الأنثروبولوجي والذي يهتم بمفهوم العرق Race والمجموعات الإثنية Ethnic Groups أي التركيز على التماثلات الثقافية وتاريخ الأعراق الرئيسية والسلالات وهذا المدخل قد ينجم عنه نظريات وتبريرات عنصرية مختلفة *1
أما المدخل الثاني وهو الاجتماعي، ويعالج العلاقات العرقية ووضعية الأقلية تجاه الأغلبية والتعصب والتحيز العنصري وأشكال الصراع وسبل حل المشكلة مثل الدمج والتذويب والتعددية والانفصالية و الديمقراطية التوافقية التي تخصص مقاعد معينة للأقلية ( لبنان، الأردن كمثال) .
الأقليات و العرقية
يشكل مفهوم العرق Race أو السلالة أو العنصر موقعا هاما في تحريك مسائل الأقلية، وفي بعض الأحيان يتطابق العرق مع الأقلية.. والعرق كلمة مطاطة مخاتلة ومضللة في كثير من الأحيان، لأنها مثقلة بالانحياز القيمي (Value Laden) وليست محايدة وثابتة.
فقد تعطي المعنى حسب الحقبة التاريخية أو الإطار الثقافي أو الموقف السياسي*2
إن كان العرق يتحدد ببعض العوامل الوراثية، والسوسيولوجية فإنه لا علاقة له بموضوع الذكاء والتعاطي الذهني وتراكم المعرفة والأداء الحضاري، الذي تحدده عوامل أخرى ليست لها علاقة بموضوع العرق.
بل تتدافع الحضارة التي تتحكم فيها قوة حضارية بارزة في عينة من الوقت، وتسير كالنهر الذي يرفد بمسيل روافد فرعية تغذي مجراه، أو يتفرع ليصب في فروع تأخذ نصيبها من زخم النهر الأساس.
هكذا كانت الحضارة العربية ورثت مسيل الحضارات التي سبقتها، من حضارات وادي النيل والرافدين والكنعانيين والحيثيين وحضارات جنوب الجزيرة العربية، لتأخذ شخصيتها النهائية في صدر الإسلام، وتعيد إنتاج مفردات ما سبقها من حضارات وفق الأسس الجديدة الإسلامية.
قضية الأقليات في الفكر السياسي الإسلامي
أقر الدين الإسلامي لأول مرة في التاريخ حق الشعوب الخاضعة لسلطانه في الحفاظ على معتقداتها وتقاليدها وطراز حياتها في زمن كان المبدأ السائد هو إكراه الرعايا على دين ملوكهم*3.
وقد رأينا ذلك قبل الإسلام في قضية (أصحاب الأخدود) .. كما رأيناها، في محاكم التفتيش عند الأسبان بعدما طردوا العرب من الأندلس، حيث وصلت الضحايا الى الملايين..
وسنحاول في هذه المساهمة البسيطة أن نتوقف عند بعض النقاط التي من شأنها إيجاد قاعدة للتفكير في تلك المسألة التي أصبحت تقض مضاجع المجتمع العربي في أكثر من بقعة في أرجاء الوطن العربي، بعبث خارجي واستعداد داخلي قد يكون مشبوها أحيانا وقد يكون حقيقيا في أحيان أخرى.
المراجع:
*1ـ أزمة الأقليات في الوطن العربي/د حيدر ابراهيم علي/دار الفكر المعاصر/ ط1/ 2002/ ص 16
*2ـ المصدر السابق ص 28.
*3ـ الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية: من بداية الدولة النبوية وحتى نهاية الدولة العثمانية/ د كمال السعيد حبيب/مكتبة مدبولي/2002/ص1